فرار “ناصر الجن”.. غموض يهز أركان النظام الجزائري
فرار “ناصر الجن”.. غموض يهز أركان النظام الجزائري
حرية بريس/ عبدالله حفري
في حدث أثار صدمة غير مسبوقة داخل أروقة السلطة الجزائرية، اختفى الجنرال عبد القادر حداد، المعروف بلقب “ناصر الجن”، يوم 18 سبتمبر 2025، رغم الإقامة الجبرية التي كان يخضع لها في فيلا بحي دالي إبراهيم بالعاصمة.
هذا الفرار، الذي يُعتبر إحراجا أمنيا كبيرا، يكشف عن انقسامات عميقة داخل الجيش والمخابرات، ويثير تساؤلات حول مستقبل الاستقرار السياسي في البلاد.
وعبد القادر حداد ليس شخصية عادية، فقد شغل مناصب حساسة في جهاز المخابرات الجزائري، بما في ذلك رئاسة المديرية العامة للأمن الداخلي (DGSI) من يوليو 2024 إلى مايو 2025، ولُقب بـ”ناصر الجن” بسبب كفاءته في العمليات السرية، وبـ”الصندوق الأسود” لمعرفته بملفات فساد وانتهاكات حقوقية تطال شخصيات نافذة، بما في ذلك مقربين من الرئيس عبد المجيد تبون، وبعد إقالته في مايو 2025، وضع تحت مراقبة صارمة، لكنه احتفظ بحرية نسبية في التنقل، مما يشير إلى توازنات داخلية معقدة داخل الجيش.
واختفى حداد فجأة، مع إيقاف إشارات هواتفه المحمولة، فيما يُعتقد أنه فر عبر قارب سريع من نوع “فانتوم” باتجاه السواحل الإسبانية، والوجهة المرجحة هي برشلونة، حيث يمتلك عقارا وشبكة علاقات سابقة، خاصة بعد لجوئه إليها في 2018 أثناء حملة تطهير داخل الجيش.
تقارير أخرى تشير إلى إمكانية إخفائه داخل الجزائر أو فراره إلى المغرب أو سويسرا؛ لكن الغالبية ترجح إسبانيا بسبب سهولة الوصول (ساعة إلى ثلاث ساعات بحرا)، وما يثير الشكوك هو كيف نجح في الفرار رغم المراقبة. التقارير تشير إلى تواطؤ محتمل داخلي، أدى إلى إقالة اللواء مهراز جريبي (مدير أمن الجيش) ورئيس مركز التحقيق العسكري، بالإضافة إلى اعتقالات في صفوف الاستخبارات، وهذا الفرار لم يكن مجرد هروب فردي؛ بل يعكس صراعات بين أجنحة موالية لتبون وأخرى مرتبطة بشخصيات تاريخية في الجيش.
وقد أثار الحدث “صدمة عنيفة” في قمة السلطة، مما دفع إلى عقد اجتماع طارئ للمجلس الأعلى للأمن بحضور الرئيس تبون وقائد الجيش سعيد شنقريحة، نتج عنه نشر قوات أمنية واسعة في العاصمة، مع حواجز تفتيش وحافلات، وتمشيط جوي بطائرة تحمل رمز 7TVUR فوق ولاية الشلف؛ هذه الإجراءات تعكس خوفا من تسريب معلومات حساسة قد تهدد الاستقرار أو تؤدي إلى تعاون مع جهات أجنبية.
ويظل الغموض سيد الموقف حتى الآن، لا بيان رسمي من السلطات الجزائرية يؤكد أو ينفي الفرار، ناهيك عن القبض عليه أو تسليم نفسه، فالشائعات المتداولة على وسائل التواصل، مثل إمكانية استسلامه أو اعتقاله، تبدو غير مدعومة بأدلة، كما يلاحظ مراقبون، أنه لو تم القبض عليه، لكان النظام سيستغل الحدث للدعاية، بنشر صور وتقارير تبرز قوة المخابرات وفعاليتها، كما في قضايا سابقة، فغياب هذه “البهرجة الإعلامية” يعزز الاعتقاد بأنه لا يزال فارا، وربما نجح في الوصول إلى وجهته، ويُعتبر فرار ناصر الجن مؤشرا على ضعف النظام، خاصة مع التوترات الإقليمية والاقتصادية التي تواجه الجزائر.
بعض النشطاء يربطونه بانهيار محتمل، بينما يراه آخرون كجزء من حملات تضليل لتغطية قضايا أخرى، مثل وفاة شنقريحة أو صراعات مع المغرب، وإذا كان حداد يحمل أسرارا خطيرة، فإن فراره قد يفتح بابا لكشوفات تاريخية، مما يهدد التوازنات الحالية.
والجزائر اليوم أمام اختبار، فهل تستطيع احتواء هذه الأزمة دون خسائر إضافية؟ الإجابة قد تكشف عن عمق الشقوق في بنيان النظام.