احمد الازرق الملقب بالسفناج مسار مقاوم


التعريف بأحمد السفناج

هو أحمد بن امحمد بن احميدة، ولد سنة 1924 بأولاد فرج بنواحي الجديدة. لن يطول به المقام هناك نظرا للظروف الاقتصادية والسياسية والطبيعية التي هيمنت على البلاد وأضرت بالعباد حيث ستضطر أسرته إلى الهجرة إلى مدينة سلا وبعدها إلى قرية لالة يطو ناحية سيدي يحيى الغرب ملتحقين بعمه “محمد” الذي كان مستقرا هناك. لسوء حظه، توفي والداه فتكفل به عمه مشرفا على تنشئته مع أبنائه وتعليمه معهم بكتاب العائلة.

يشتد عود أحمد ويشب فيضطر إلى الاعتماد على نفسه لكسب عيشه من خلال ممارسة أنواع التجارة الشائعة حينها كبائع للأقمشة وعطار أو بقال، متنقلا بين الأسواق الأسبوعية وبين القرى والمدن. يتعلم أيضا في هذا النطاق، حرفة السفاج ويبدع فيها. نمط الحياة هذا سيعمل على تكوين شخصيته وتقويتها من خلال تنويع مداركه وتعميق معارفه وتوسيع آفاقه. سيتمكن كذلك من التعرف على الناس من مختلف المناطق والمشارب ما سيساهم في تنوع علاقاته وإثرائها، وفعلا من بين الشخصيات المؤثرة التي سيلتقيها وينشئ معها روابط الصداقة المتينة المقرئ المرحوم عبد الرحمان بنموسى.

الإنتماء السياسي

يتخصص الرجل في نهاية الأمر بعمل الإسفنج ويستقر بالرباط وبالضبط بحي يعقوب المنصور، وهو الحي الصفيحي الناشئ خارج الحاضرة والذي آوى المهاجرين من القرى والضواحي من أجل البحث عن لقمة العيش وذلك من خلال ممارسة الحرف والمهن الأولية والتقليدية وأيضا من العمل في المنشآت الاقتصادية والفلاحية التابعة للأثرياء والمعمرين. في هذه الفترة، يعرف الوطن حالة غليان بين السلطان محمد الخامس والموالين له والمستعمر وشرذمة الخونة التابعين له مما كان سببا في تأجج المقاومة الفكرية الداعية إلى التخلص من براثن الحماية وقيود الاستعمار والتي ستستجيب لداعيها جموع المواطنين كافة.

عملا بتوجيهات المرحوم عبد الرحمان بنموسى، سينضم أحمد السفناج إلى فرع حزب الاستقلال التابع للحي. كان الحزب آنذاك الحزب الرئيس والمدرسة السياسية والنواة الأولى التي عملت على شحذ همم المواطنين وتكوين الأقطاب المناضلين. تشبع أحمد بالوطنية الصادقة التي ألهبت في نفسه حس الكفاح والنضال من أجل مغرب حر مستقل إذ وجدت لديه القابلية والاستعداد التامين للانخراط في العمل السياسي. كان الرجل المناضل الصلب الذي يعشق ركوب المصاعب ولا يهاب المتاعب أو يعرف الكلل أو الملل. لذا، سرعان ما سيحظى بثقة رفقائه فيوكلون إليه القيام ببعض المسئوليات كما سيضطلع بمهمة أمين مال فرع الحزب.

الانتماء إلى المقاومة المسلحة

في العشرين من غشت 1953، يقدم الاستعمار الغاشم على نفي السلطان الشرعي محمد الخامس رفقة أسرته الشريفة. كان التلاحم القوي بين العرش والشعب والبيعة المقدسة بينهما سببا قويا في ثورة الشعب قاطبة. تأجج التمرد التام تنديدا بفعلة المستعمر ومطالبة بعودة السلطان إلى عرش أسلافه الميامين. ولتشبته القوي وصدق بيعته لملكه ووفائه للعرش العلوي المجيد وتمسكه المستميت بحب بلده واستقلاله ، سيلبي أحمد نداء الوطن فيهب ملتحقا بالمقاومة المسلحة منضويا تحت لواء اليد السوداء التابعة لدوار الذباغ بحي يعقوب المنصور وبرئاسة المرحوم احميدة بلحفيان والمنسق المرحوم مولاي العربي الغزالي.

تنقسم الخلية الأم إلى عدة مجموعات لا يكاد عدد أفرادها يتعدى أصابع اليد وقد لا يعرفون بعضهم البعض، يحملون ألقابا أو أسماء مستعارة وذلك إمعانا في الحفاظ على السرية وسلامة الأعضاء وتلافيا لمطاردة المستعمر وجواسيسه. وهكذا نشط أحمد تحت لقب “أحمد السفناج”، وهو اللقب المستمد من حرفته الأساسية التي كانت مصدر عيشه. كما نشط إلى جانب ثلة من الرجال الأشاوس كالحسين الزعري ومحمد بنعزوز وسليمان بن ادريس ومحمد الدكالي بنهروالة وبوشعيب حيدة وبوشعيب بنحمو والإخوة الغزالي محمد وبو مهدي وعبد القادر،.

ولأن أحمد السفناج كان يتمتع بشخصية مستقلة وإرادة قوية وبديهة سريعة وحب المجازفة بالنفس والتضحية بالنفيس، فإنه كان مؤهلا لتحمل المسئوليات التي أنيطت به وبكل اقتدار مهما كانت خطورتها وأهميتها. يحسب له أنه أشرف على تدريب الرفاق على استعمال السلاح وخطط لعمليات عديدة ودبر ومول بعضها ونفذ العديد منها إما رفقة أعضاء الخلية أو بمفرده، كما أنه كان يستلم السلاح ويمرره بين الأعضاء. ودون خوف أو وجل، كان يصول ويجول في ميادين المقاومة وكانت عملياته تقض مضجع المستعمر وترهق عيونه وتحبط خططه.

بكل عزم وإصرار، يواصل رفقة أعضاء مجموعته إنجاز العمليات الفدائية المتنوعة. وتجذر الإشارة إلى أن مقر سكناه سهل عليه مأموريته في التنفيذ مع تمويه العيون والنجاة من شباكهم للقبض عليه حيث أن الحي كان ضيق الأزقة وتربط بين ساكنته الأواصر العائلية والمصاهرة والحمية القبلية مما وطد الروح الوطنية بين الناس وحثهم على لعب أدوار مهمة كإخفاء المقاومين والتستر عليهم وتزويدهم بأخبار المستعمر. استمر أحمد السفناج في نشاطه ليلا ليعود لدكانه صباحا يمارس مهنته إلى أن فشل مع مجموعته في تنفيذ عملية فدائية ليتم القبض على البعض منها حيث اضطر إلى الانتقال الكلي في إطار عملية مبادلة إلى الدار البيضاء للالتحاق باليد السوداء بكاريان سنطرال بعد أن كان ينشط جزئيا بها متنقلا بينها وبين الرباط. رافقته في رحلته هذه زوجته الحامل حليمة بنت العربي الحميدي وطفلتهما الصغيرة. كان لرفيقة دربه دورا هاما إلى جانبه حيث كان يتخلص من السلاح إثر تنفيذ العمليات لتدسه في ظهرها بينها وبين الطفلة أو تحتفظ به ليستعمله مجددا أو بهدف تسليمه إلى رفاقه.

العمليات الفدائية

بالدار البيضاء، كان كاريان سنطرال مشتلا فدائيا أنتج أقوى رجالات المقاومة وأعتاها. وجد هناك أحمد السفناج ضالته فالتقى رجالا لا تفل عزيمتهم ولا تقهر أمثال الأخوين اسفيران محمد وبوشعيب والإخوين الزين بوعزة وعبد السلام وعبد الرحمان المخنث والأخوين بلعطار امحمد كسكاد وابراهيم. توسعت بالتالي شبكة معاونيه ورفقائه وتعددت عملياته وتنوعت مواقعها لدرجة أنها شملت مناطق عديدة من الوطن واختلفت درجات خطورتها ولكنها ساهمت في اختلال موازين قوة المستعمر. وهكذا نجدها قد استهدفت مثلا:

الرباط، المحمدية، الدار البيضاء، سطات، الجديدة، الصويرة، سيدي سليمان، مكناس…

أما العمليات فقد استهدفت تصفية العملاء والخونة ومواكب الشرطة الفرنسية والمسئولين ومقرات عملهم أو سكنهم. شملت أيضا المتاجر ومحلات بيع الدخان وأوكار الدعارة والحمامات، إلى جانب معامل الخشب والفلين والضيعات الفلاحية المملوكة للمستعمر وذلك لضرب الاقتصاد الفرنسي والانتقام ممن يتعاملون معه.

الاعتقال

تم اعتقال أحمد السفناج رفقة إبراهيم بلعطار بدرب باشكو لدى عودتهما مباشرة بعد تنفيذ عملية استهدفت معمرا يملك حانة بنواحي الجديدة، كما ألقي القبض على رفيقهما رحال المسكيني برحبة الزرع بينما توفي بطريق سيدي مسعود العربي الوالي بعد تناوله حبة السم التي كان يحملها معه كعادة كل مقاوم مسلح تفاديا للوقوع في الاعتقال وخشية الإقرار برفقائهم تحت طائلة التعذيب. ما إن علمت زوجته بخبر اعتقاله حتى سلمت بقية السلاح الذي كان معها لرفقائه ثم قصدت وطفلتها أخته بدار بلعامري ناحية سيدي سليمان لاجئة إليها ومحتمية بصهرها الحاج قاسم طوطو الذي لم يذخر جهدا في الدفاع عنها حتى لا تطردها الساكنة مخافة من المستعمر وعيونه.

توالت الاعتقالات في صفوف المقاومين وتم تعذيبهم والتنكيل بهم مما جعلهم يعترفون برفقائهم. ونتيجة لذلك، أقر بعض الأقطاب بأحمد السفناج كشريك لهم أو مزود بالسلاح مما جر عليه ثلاثة أحكام بالإعدام كما ذاق مرارة التعذيب بشتى أصنافه منقلا بين سجني غبيلة والعاذر. وتوضح شهادة الاعتقال الخاصة به التهم الموجهة إليه من تشكيل عصابة إجرامية وحيازة السلاح واستعماله والقتل العمد. تم نقل الرجل في الأخير إلى السجن المركزي بالقنيطرة في انتظار التنفيذ. من حسن حظه، سيعانق السفناج الحرية ويلتحق بأسرته بعد أن استفاد من الظهير الملكي الذي أصدره المغفور له محمد الخامس بعد عودته مظفرا إلى الوطن والقاضي بالعفو على كافة المقاومين الذين كانوا محكومين بالإعدام والموجهة إليهم تهما خطيرة من طرف محاكم المستعمر.

الاحتفاء بالمقاوم أحمد السفناج

نظرا لهذا المسار الحافل واعترافا به كمقاوم فذ ورمز وطني للمقاومة، فقد تم تكريم والدي رحمه الله من طرف السيد المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير فسلمه قيد حياته درع المقاومة كما كرم أيضا بخميس متوح بضواحي الجديدة بصفته من أبناء المنطقة. حظي أيضا أثناء مرضه بزيارة تفقدية من لدن السيد المندوب السامي في إطار التواصل مع فئة قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، كما حظي كذلك بزيارة من بعض أعضاء حزب الاستقلال الذي ظل الرجل وفيا لمبادئه ومتابعا لأنشطته رغم اعتزاله ممارسة السياسة نظرا لتقدمه في السن خاصة وقد سبق له بعد الاستقلال أن مثل ساكنة حيه لولايتين في المجلس البلدي للعاصمة.

وبعد وفاته رحمه الله بتاريخ 30 غشت 2013 إثر معاناته من مرض عضال، شرفنا المندوب السامي بزيارة تعزية ومواساة، إلى جانب إقامة الذكرى الأربعينية له بمقر المندوبية بحضور جمع غفير من رفقاء الفقيد وذويه وبمشاركة ممثل الأمين العام لحزب الاستقلال السيد عبد السلام الطاهري حيث ألقى كل منهما كلمة تأبينية في حقه إلى جانب السيد أحمد تنان عضو المجلس الإقليمي لقدماء المقاومين وجيش التحرير والسيد محمد بنسعيد الصحفي بجريدة العلم .

من جهة أخرى، تسلمت نيابة عن الأسرة من السيد المندوب السامي شهادة الشكر والتقدير والعرفان باسم الفقيد من لدن الاتحاد العربي للمحاربين القدماء وضحايا الحرب. أخيرا، حظي المرحوم بوسام ملكي من درجة ضابط أنعم عليه به صاحب الجلالة حفظه الله تسلمته كذلك من يد المندوب السامي الذي وافق مشكورا على أن أدون سيرة والدي بناء على مذكراته وشهادته المسجلة صوتا وصورة بالمندوبية كما وافق على نشرها ضمن سلسلة السير الذاتية التي أعدتها المندوبية ونشرتها.

تدوين مذكرات والدي

لقد كان أمل والدي رحمه الله أن يجمع أعماله في درب المقاومة وينشرها للتاريخ ولذا بدأ أخي الصحافي قيد حياته بالشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، محمد الأزرق رحمه الله العملية إلا أن وفاته سنة 2008 حالت دون تحقيق ذلك. إثر ذلك أصدر والدي سنة 2009 كتيبا ذكر فيه باقتضاب مساره الفدائي. ووفاء مني للعهد لكليهما، وجدتني وعلى عاتقي أمانة تدوين هذا المسار علني أفي ببعض الدين نحوه وبغاية التعريف به كمقاوم ناضل من أجل هذا الوطن الذي عشقه وسكنه إلى آخر رمق. أردت أيضا أن أشارك في إثراء الذاكرة الوطنية بوضع بين يدي الباحثين والمهتمين بفترة مهمة من تاريخنا المعاصر، مؤلفا يلقي الضوء على معاناة ثلة من أبطالنا الأفذاذ ويحكي مسارهم الفدائي من أجل أن يسترجع الوطن استقلاله وحريته لا يرجون من وراء تضحياتهم جزاء ولا بديلا. وجذير بالذكر أن شهادة والدي المسجلة بالصوت والصورة بأرشيف المندوبية السامية تشكل شهادة في حقه كل من شاركوه الدرب ولم تكن شهادة ذاتية تخصه وحده.

كان رحمة الله عليه صارما في تربيته لنا وجادا في نصحنا كما كان يحثنا على ضرورة التعلم ومتابعة الدراسة وصقل المواهب وتنميتها، مؤكدا على التحلي بالأخلاق الحميدة ونبذ الذاتية والاتصاف بالغيرية وحب الوطن والإخلاص له. كما كان يصر على أن يكون القدوة الحسنة لأبنائه وأهله، فكان نعم الأب والجد ونعم الصديق والرفيق. جزاه الله خيرا عن كل ما قدمه من أجلنا من تضحيات فقد كان في حياته جذوة منيرة وصار بعد وفاته رحمه الله قدوة حسنة ووفقنا لأن نكون له عملا صالحا ينفعه في آخرته وخير خلف لخير سلف نتأسى بفكره ونهتدي بفعله ضمن حملة المشعل ببلدنا للسير به قدما والحفاظ على مكتسبات الآباء والأجداد.


شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...