تصعيد فرنسي جديد ضد الجزائر…إلغاء إعفاء التأشيرات الدبلوماسية ومطالبة بديون المستشفيات

حرية بريس عبدالله حفري

تستمر العلاقات الجزائرية-الفرنسية في دوامة من التوترات الدبلوماسية، حيث اتخذت فرنسا مؤخرا خطوات تصعيدية جديدة ضد الجزائر.

ففي خطوة غير مسبوقة، وجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسالة إلى حكومته يطالب فيها بتعليق اتفاقية 2013 التي تمنح إعفاءات من التأشيرات لحاملي الجوازات الدبلوماسية والرسمية الجزائرية، إضافة إلى المطالبة بتسديد ديون المستشفيات الجزائرية المتراكمة في فرنسا، هذه الإجراءات تأتي في سياق توترات متصاعدة بين البلدين، مع تلميحات إلى إجراءات إضافية قد تشمل قضايا حساسة مثل الحدود الموروثة من الاستعمار.

وقد شهدت العلاقات بين الجزائر وفرنسا تقلبات متكررة منذ استقلال الجزائر عام 1962، حيث تظل قضايا الذاكرة الاستعمارية، الهجرة، والتعاون الاقتصادي نقاطا حساسة، حيث في يوليوز 2024، أثارت فرنسا غضب الجزائر عندما أعلنت دعمها لسيادة المغرب على الصحراء المغربية، وهو موقف يتعارض مع دعم الجزائر لحركة تقرير مصير الصحراء المغربية. هذا القرار فاقم التوترات، التي تفاقمت أكثر مع توقيف الصحفي الفرنسي كريستوف غليز والكاتب بوعلام صنصال في الجزائر بتهم مثيرة للجدل، مما دفع فرنسا إلى اتخاذ موقف أكثر صرامة.

وفي 6 أغسطس 2025، وجه ماكرون رسالة إلى رئيس وزرائه فرانسوا بايرو، يطالب فيها بتعليق اتفاقية 2013 التي تتيح لحاملي الجوازات الدبلوماسية وجوازات الخدمة الجزائرية دخول فرنسا دون تأشيرة.

هذا القرار يأتي ردا على ما وصفه ماكرون بـ”غياب التعاون” من الجزائر في قضايا الهجرة والأمن، بما في ذلك رفض الجزائر استعادة مواطنيها المصنفين كمهاجرين غير شرعيين في فرنسا، كما طالب ماكرون دول منطقة شنغن بالتشاور مع فرنسا قبل إصدار تأشيرات قصيرة المدى للمسؤولين الجزائريين، في محاولة لتشديد القيود.

من جانبها، ردت الجزائر بسرعة، معلنة تعليق إعفاء التأشيرات للجوازات الدبلوماسية الفرنسية، مؤكدة التزامها بمبدأ المعاملة بالمثل، وأشارت وزارة الخارجية الجزائرية إلى أنها لم تكن المبادرة لإبرام هذه الاتفاقية؛ بل كانت فرنسا هي التي سعت إليها مرارا منذ عام 1986، وأن قرار باريس يتيح للجزائر فرصة نقض الاتفاق بموجب المادة الثامنة منه.

وإلى جانب إجراءات التأشيرات، أثار ماكرون قضية ديون المستشفيات الجزائرية المتراكمة في فرنسا، والتي تقدر بـ45 مليون يورو، هذه الديون تعود إلى علاج مسؤولين جزائريين ومواطنين في مستشفيات فرنسية، حيث يفضل البعض السفر إلى فرنسا بدلا من الاعتماد على المستشفيات المحلية، هذا الواقع أثار جدلا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث انتقد البعض المسؤولين الجزائريين لعدم ثقتهم بالنظام الصحي في بلادهم.

ماكرون ربط هذه القضية بمطالبته بـ”حزم أكبر” في التعامل مع الجزائر، مشيرا إلى أن رد الجزائر على قضايا الهجرة والتعاون القنصلي سيحدد الخطوات المستقبلية، هذا الضغط الاقتصادي يضاف إلى سلسلة من الإجراءات التي تهدف إلى الضغط على الجزائر لتغيير مواقفها في قضايا ثنائية حساسة.

وفي رسالته، أشار ماكرون إلى “قضايا الذاكرة العالقة”، مما أثار تكهنات حول إمكانية فتح ملف الحدود الموروثة من الفترة الاستعمارية، هذه القضية، التي تشمل النزاعات حول ترسيم الحدود بين الجزائر وجيرانها، خاصة المغرب، تظل حساسة للغاية، فالجزائر تتهم فرنسا تاريخيا بالتلاعب في ترسيم الحدود لصالح المغرب خلال الفترة الاستعمارية، وإثارة هذا الملف قد يؤدي إلى تصعيد غير مسبوق. ومع ذلك، لم يصدر تأكيد رسمي حتى الآن بأن فرنسا ستفتح هذا الملف، لكن مجرد الإشارة إليه يعكس جدية التوترات.

وقد أثارت قرارات ماكرون تفاعلا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي، بعض الجزائريين اعتبروا القرار “صفعة” للرئيس عبد المجيد تبون، خاصة بعد تصريحاته الأخيرة التي أكد فيها عدم وجود مشكلة شخصية مع ماكرون، آخرون دعوا إلى قطع العلاقات نهائيا مع فرنسا، بينما سخر البعض من الأزمة واصفين إياها بـ”مشاكل عائلية” بين البلدين.

في المقابل، أكدت الجزائر أنها لن تتراجع عن مبدأ المعاملة بالمثل، حيث أعلنت عن سحب امتيازات عقارية من السفارة الفرنسية في الجزائر وإعادة النظر في عقود إيجار المؤسسات الفرنسية، كما استنكرت الخارجية الجزائرية ما وصفته بـ”التبرؤ الفرنسي من المسؤوليات”، مؤكدة أن فرنسا هي من بدأت الانتهاكات.

والتصعيد الحالي يهدد بتعميق الأزمة بين البلدين، مع تأثيرات محتملة على عدة مستويات:

اقتصاديا: الشركات الفرنسية العاملة في الجزائر أطلقت نداءات استغاثة لإنقاذ أعمالها من الانهيار بسبب القيود الجزائرية، في المقابل، قد تواجه الجزائر ضغوطا اقتصادية إضافية إذا قررت فرنسا تجميد المساعدات التنموية أو تعليق الرحلات الجوية والبحرية.

سياسيا: التوترات قد تعرقل التعاون في قضايا إقليمية مثل مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، خاصة في منطقة الساحل.

اجتماعيا: الجالية الجزائرية في فرنسا، التي تتجاوز عدة ملايين، قد تواجه تحديات إضافية إذا تم إلغاء اتفاقية 1968، التي تمنح امتيازات قانونية للجزائريين في فرنسا.

وعلى العموم، فإن قرارات ماكرون الأخيرة تمثل منعطفا جديدا في الأزمة الجزائرية-الفرنسية، مع إشارات إلى تصعيد محتمل يشمل قضايا حساسة مثل ديون المستشفيات والحدود الموروثة، بينما تتمسك الجزائر بمبدأ المعاملة بالمثل، حبث يبدو أن الحوار بين البلدين قد وصل إلى طريق مسدود، واستمرار التصعيد قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على العلاقات الثنائية والاستقرار الإقليمي.


شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...