موريتانيا والمغرب.. شراكة استراتيجية لتحرير دول الساحل من العزلة الجغرافية
موريتانيا والمغرب.. شراكة استراتيجية لتحرير دول الساحل من العزلة الجغرافية
حرية بريس عبدالله حفري
في ظل التحديات الاقتصادية واللوجستية التي تواجهها الدول غير الساحلية في منطقة الساحل، برزت مبادرة الملك محمد السادس لربط دول الساحل بالمحيط الأطلسي كرؤية طموحة لتعزيز التكامل الإقليمي وكسر الحواجز الجغرافية.
وخلال المؤتمر الأممي في أزاوا، نوهت الأمم المتحدة بموقف موريتانيا الذي تجلى في إبقاء حدودها وممراتها مفتوحة أمام الدول غير الساحلية، مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو، رغم الضغوط الإقليمية المكثفة التي هدفت إلى عرقلة هذا الانفتاح، هذا الموقف عزز الشراكة مع المغرب في إطار مبادرة الملك محمد السادس، التي تسعى إلى تمكين دول الساحل من الوصول إلى المحيط الأطلسي عبر موريتانيا والمغرب.
ووفقا لموقع أنباء أنفو الموريتاني، فإن هذا الدعم يعكس التزام موريتانيا بالتكامل الإقليمي وتعزيز التنمية الاقتصادية للدول الداخلية، في مواجهة محاولات تسييس الممرات البحرية من قبل بعض الدول المجاورة.
وكان جلالة الملك محمد السادس قد أطلق في نوفمبر 2023 مبادرة استراتيجية تهدف إلى تمكين دول الساحل ( مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد) من الوصول إلى المحيط الأطلسي عبر البنية التحتية المغربية والموريتانية، وتتركز هذه المبادرة على ثلاثة محاور رئيسية: تطوير البنية التحتية المستدامة، إقامة شراكات عادلة، وتعزيز التضامن الإقليمي.
ومن خلال موانئ المغرب الأطلسية، مثل الداخلة والدار البيضاء، وموانئ موريتانيا، مثل نواكشوط ونواذيبو، تسعى المبادرة إلى تقليل تكاليف النقل الباهظة التي تصل إلى 30-40% من قيمة الواردات في دول الساحل، ودمج هذه الدول في سلاسل التجارة العالمية.
وقد لقت هذه المبادرة دعما قويا من تحالف دول الساحل، حيث أعرب وزراء خارجية مالي وبوركينا فاسو والنيجر، خلال استقبالهم في الرباط في مايو 2025، عن امتنانهم للملك محمد السادس لالتزامه بتنمية المنطقة، مؤكدين أن هذه المبادرة ليست مجرد مشروع لوجستي؛ بل تحول اقتصادي يعزز السيادة الاقتصادية والأمن الإقليمي.
وتواجه دول الساحل تحديات هيكلية بسبب موقعها الجغرافي غير الساحلي، مما يجعلها تعتمد على ممرات الدول الساحلية للوصول إلى الأسواق العالمية.
وخلال المؤتمر السالف الذكر، انتقد رئيس وزراء مالي، الجنرال عبد الله مايغا، “الانتهاكات المتكررة” في حق الدول غير الساحلية في النفاذ إلى البحر، معتبرا أن هذه القيود تُستخدم كأداة للعزل السياسي والاقتصادي، كما استندت مداخلات المشاركين إلى اتفاقية مونتيغو باي لقانون البحار (1982) واتفاقية الأمم المتحدة لعام 1965 بشأن تسهيل التجارة العابرة، لتأكيد أن حق الوصول إلى البحر غير قابل للمساومة.
في السياق ذاته، حذرت جمعية علماء البحار الأستراليين من تزايد تسييس الممرات البحرية خلال العامين الأخيرين، مشيرة إلى أن بعض الدول الساحلية تستخدم موقعها الجغرافي للضغط السياسي، في خرق واضح للقانون الدولي. هذه الضغوط، التي واجهتها موريتانيا بشكل خاص، لم تمنعها من التمسك بدورها كجسر لوجستي لدول الساحل، مما عزز مكانتها كشريك استراتيجي للمغرب في هذه المبادرة.
وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال المؤتمر إدانة رسمية للقيود غير المشروعة المفروضة على حق دول الساحل في الوصول إلى البحر، مؤكدة أن هذه الإجراءات تتعارض مع مبادئ القانون الدولي وتعيق التنمية الاقتصادية. ودعا المؤتمر إلى تعزيز التعاون الإقليمي كسبيل وحيد لتحقيق الاستقرار والنمو المشترك، مشيدا بجهود موريتانيا والمغرب في هذا الصدد، وبرنامج أزاوا للعمل (2024-2034)، الذي اعتمدته الجمعية العامة في 24 ديسمبر 2024، يحدد خمسة محاور رئيسية، تشمل تحسين البنية التحتية، تيسير التجارة، وتعزيز القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية، وهي أهداف تتماشى مع رؤية المبادرة الملكية.
ويُظهر التعاون بين المغرب وموريتانيا نموذجا فريدا للتكامل الإقليمي، ويمكن لهذه الشراكة أن تخلق نظاما بحريا فعالًا يخدم أسواقًا ومسارات تجارية متنوعة. هذا التكامل لا يقتصر على تسهيل الوصول إلى الأسواق العالمية، بل يشمل أيضا تعزيز الأمن الغذائي، تطوير الصناعات الخضراء، وتقليل الاعتماد على الصادرات الخام، وكما أشار المغرب خلال المؤتمر، فإن هذه المبادرة تجسد رؤية الملك محمد السادس لأفريقيا موحدة ومزدهرة، حيث يُعد التضامن الجنوبي-الجنوبي حجر الزاوية في التنمية المستدامة.
ومبادرة الملك محمد السادس لربط دول الساحل بالمحيط الأطلسي، بدعم قوي من موريتانيا، تمثل خطوة تاريخية نحو كسر العزلة الجغرافية وتحفيز التنمية في منطقة الساحل، إن الإشادة الأممية بموقف موريتانيا خلال مؤتمر أزاوا تؤكد أهمية هذا التعاون في مواجهة الضغوط الإقليمية والقيود غير المشروعة، في وقت تسعى فيه بعض الدول إلى تسييس الممرات البحرية، يبرز التعاون المغربي-الموريتاني كنموذج للتضامن الإقليمي، يعزز الأمل في مستقبل أكثر ازدهارا لدول الساحل.
إن نجاح هذه المبادرة لن يغير قواعد اللعبة الاقتصادية فحسب؛ بل سيرسخ أيضا مكانة المغرب وموريتانيا كقائدين للتكامل الأفريقي في القرن الحادي والعشرين.
