مشروع الجهوية المتقدمة بين التكريس وانتظار التفعيل
حاوره علمي عروسي محمد
تصوير براهيم الحنا
في إطار الاهتمام الذي يوليه السيد عبد النبي حمدادي الحاصل على الدكتور اه في القانون العام والمختص في القانون الاداري والاطار بمجلس جهة فاس بولمان لقضيةبحته الاكاديمي في مشروع الجهوية المتقدمة اردنا ان نحاوره حول موضوع
=مشروع الجهوية المتقدمة بين التكريس وانتظار التفعيل=
ونظرا لوعيه بالرسالة الاعلامية قبل دعوتنا للحوار معه فنترككم للاضطلاع على مادار بيننا وبينه من تساؤلات وايجابات حول محور موضوع حوارنا معه.
=الاستاذ عبد النبي حمداد = إن الجهوية ورش وطني كبير يراهن عليها الجميع من زوايا متعددة فكيف توضحون ذلك ؟
ان موضوع الجهوية بالمغرب عرف عدة مراحل اختلفت في اعطاء مفهوم حقيقي للجهة ،لان معيار التحديد المعتمد انذاك غالبا كانت لا تجتمع فيه المقاييس التي تخدم الاتجاه الموحد المبني على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية لتجاوز العوائق التي خلفتها المخططات الجهوية بجميع اشكالها ومعطياتها المتوفرة والمتجاهلة للبنيات المتجددة ،مما افرز خللا في التوازنات الجهوية وبالتالي في تطويرالوسائل التنموية بها، حيث افرزت اقاليم وجهات محظوظة واخرى فقيرة ،مما استدعى الى التفكير في اسلوب خلق تكامل بين الاقاليم والجهات وخلق اليات تساعد على ذلك في اطار الدولة الموحدة وطنيا وترابيا واعتماد دراسة تشاركية تحقق المرتكزات الاساسية للجهوية لانجاح هذا المشروع الذي يراهن عليه الجميع .
= ماهي التوجهات التي اعتمدت عليها اللجنة الاستشارية في دراسة مشروع الجهوية المتقدمة ؟
ان الخطاب الملكي ليوم 3 يناير 2010 ، قد اعطى الخطوط العريضة لانطلاق هذا الورش الهيكلي الكبير، وحث اللجنة الاستشارية على اشراك كل القوى الحية للامة لبلورته، لما تتحلى به هذه اللجنة من كفاءة وحنكة وتجرد والتزام بروح المسؤولية العالية ، وغيرتهم الوطنية على المصلحة العامة ، وخبرتهم الواسعة بالشان العام، وبالخصوصيات المحلية لبلدهم مع انتهاج المقاربة التشاركية وذلك بالاصغاء والتشاورمع الهيات والفعاليات المعنية والمؤهلة ، والعمل على ابداع منظومة وطنية متميزة للجهوية بعيدة عن التقليد الحرفي او الاستنساخ الشكلي للتجارب الاجنبية .مع مراعاة مرتكز التشبث بمقدسات الامة وثوابتها في وحدة الدولة والوطن والتراب، والالتزام بالتضامن ،واعتماد التناسق والتوازن في الصلاحيات والامكانات ، وتفادي تداخل الاختصاصات او تضاربها بين مختلف الجماعات المحلية والسلطات والمؤسسات ، وانتهاج اللاتمركز الواسع القائم على التناسق والتفاعل و الذات .وانبثاق مجالس ديمقراطية لها من الصلاحيات والموارد ما يمكنها النهوض بالتنمية الجهوية المنذمجة بخلق مجالس تمثيلية للنخب المؤهلة لحسن تدبيرشؤونها .وجعل الاقاليم الجنوبية المسترجعة في صدارة الجهوية المتقدمة . ويظل طموح جلالة الملك والشعب المغربي هو الارتقاء من جهوية ناشئة الى جهوية متقدمة ذات جوهر ديمقراطي وتنموي .
=هل الجهوية كانت من ضمن المرتكزات الاساسية التي اعتمدها دستور فاتح يوليوز 2011 ؟
ان المغرب حقق تطورا ديمقراطيا في عهد جلالة محمد السادس نصره الله واعزه ،اهله في تكريس دستورفاتح يوليوز 2011 الذي اعطى اصلاح مؤسساتي شامل بجميع مقوماته ، والذي اعتمد على مرتكزات اساسية كالطابع التعددي للهوية المغربية الموحدة ، وترسيخ دولة الحق والمؤسسات ،والارتقاء بالقضاء الى سلطة مستقلة، وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري ، وتعزيز الاليات الدستورية لتاطير المواطنين بتقوية الاحزاب السياسية ومكانة المعارضة البرلمانية والمجتمع المدني ، وتقوية اليات تخليق الحياة العامة عبر المراقبة والمحاسبة ، وتكريس هيات الحكامة الجيدة وحقوق الانسان وحماية الحريات. وهذه التعديلات همت كل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والبيئية والمؤسساتية بما فيها التنصيص على تخويل الجهات المكانة الجديرة بها في الدستور ضمن الجماعات الترابية في اطار وحدة الدولة والوطن والتراب ،وذلك من الفصل 135 الى الفصل 146 من الدستور.
ماهي التوجهات الاساسية التي ارتكز عليها مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالجهات ؟
ولهذا فان مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالجهات ارتكزعلى توجهات اساسية ضمنها الخطاب الملكي ليوم 9 مارس 2011 من بينها :
. تخويل الجهة المكانة الجديرة بها في الدستور،ضمن الجماعات الترابية في اطار الدولة الموحدة .
. متطلبات التوازن ،والتضامن الوطني مع الجهات وفيما بينها .
. التنصيص على انتخاب المجالس الجهوية بالاقتراع العام المباشر ،وعلى التدبير الديمقراطي لشؤونها
. تخويل رؤساء المجالس الجهوية سلطة تنفيد مقرراتها بذل العمال والولاة .
. تعزيزمشاركة المراة في تدبير الشان الجهوي خاصة وفي الحقوق السياسية عامة وذلك بالتنصيص القانوني على تيسير ولوجها للمهام الانتخابية .
. اعادة النظر في تركيبة وصلاحيات مجلس المستشارين في اتجاه تكريس تمثيليته الترابية للجهات .
وتعتبر هذه الاسس ضمن الاصلاحات العميقة لهياكل الدولة في تدعيم اللامركزية واللاتمركزفي بناء ديمقراطية جهوية في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والادارية والحرص على تدبيرشؤونها بكل حكمة وتبصر .
ماهو تصوركم العام لهذا المشروع قبل الدخول في تفاصيله؟
لا يمكنني ان اخالف التقرير العام التي تقدمت به اللجنة الاستشارية الى جلالة الملك من حيث المبدا ، لان اللجنة الاستشارية بذلت فيه مجهودا كبيرا ، واحاطت بمجموعة من المعطيات ترتبت عنها جهوية ديموقراطية في الجوهر ، واعطيت لها اختصاصات واسعة في مجموعة من المجالات وخاصة منها مجال التنمية المنذمجة التي توازيها الاليات المالية،واحداث صندوق التاهيل الاجتماعي وصندوق التضامن وخلق موارد ذاتية تتماشى والاختصاصات المخولة للجهة، اضف الى ذلك الموارد المرصودة من طرف الدولة ، واخرى في اطار الشراكة التي تتطلب حسن التدبير في اطار حكامة جيدة في اداء مهامها تحت رقابة المؤسسات المختصة كالمجلس الجهوي للحسابات وتعزيز المراقبة البعدية من طرف السلطات المختصة الممثلة للدولة، فيما يخص حصر القرارات والاعمال التي تبقى خاضعة لها على جدول اعمال الاجتماعات والميزانيات والحالات القصوى التي قد تمس بالنظام العام او المصلحة الوطنية او التوازن المالي للجماعات الترابية ،والحسم في النزاعات يبقى لسلطة القضاء الاداري في شرعية الاعمال والقرارات . وعمل المشروع في المساهمة في ورش اللاتمركز في اطار التنسيق مع الجهات الجديدة ذات طابع مؤسساتي ووظيفي التي افرزت اثنى عشر جهة بتراب المملكة .
ماهي اهم المستجدات التي عرفها مشروع القانون التنظيمي للجهات بعد اطلاعكم عليه؟
وقد اعتمد مشروع القانون التنظيمي على مقتضيات الفصل 146 من الدستورالذي حدد مجموعة من التدابيرتتعلق اساسا بتدبير شؤون الجهة بطريقة ديمقراطية ،واعتماد التصويت العلني لانتخاب اجهزة المجلس،وكذا اتخاذ القرارات والمقررات التي تهم المجلس في تدبيرشؤون الجهة بناء على مبدا التدبير الحر ،كما عمل المشرع على تشجيع حضورومساهمة النساء في اجهزة مجالس الجهات .واعطى لرئيس الجهة تنفيد المداولات ومقررات المجلس ،ومساهمة المواطنين والمواطنات والجمعيات في السياسة التنموية للجهة عبر تقديم العرائض الى المجلس لدراستها وادراجها في جدول الاعمال ان اقتضى الحال ذلك ،واعطى للجهة اختصاصات واسعة ذاتية ومنقولة ومشتركة من ومع الدولة ،وخلق نظام مالي وتحديد مصدره موازاة للاختصاصات المخولة للجهة ، مع خلق صندوق التاهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات ،وتحديد اشكال وكيفيات التعاون بين الجهات مع الحرص على قواعد الحكامة واجراءات المحاسبة .
ماهي الملاحظات التي يمكن ان تبدونها حول هذا المشروع ؟
مقارنة مع القانون 96 – 47 المتعلق بالجهات، يمكننا ان نقول ان هناك مستجدات في مشروع القانون الحالي هو انه سيتم التقليص من عدد اعضاء المجالس الجهوية الذي نتوقعه بعد الاعلان الرسمي لاحصاء سنة 2014 ، وتطبيق مقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب اعضاء المجالس الترابية حسب مستجدات التقسيم الحالي،والذين سينتخبون بطريقة مباشرة من طرف الناخبين، وتم استبعاد العضوية التقريرية لممثلي الغرف والمجالس الاقليمية ومجالس العمالات والمجالس المحلية وهياة الماجورين ،وحدد عملية الترشيح لمنصب الرئاسة الى رؤساء اللاوائح المرشحة بالاقاليم التابعة للجهة دون تحديد شروط الكفاءة لهذه النخب لتدبير شؤون الجهة ،وفي حالة تعادل الاصوات بين المرشحين لمنصب الرئاسة في الدور الثالث يعلن عن المرشح الاصغر سنا فائزا، وهنا نتساءل هل استطاعت الاحزاب استقطاب وتزكية الاطر التي ستسير الجهات ؟ وهذا ما ستجيب عليه الاحزاب اثناء الترشيحات للاستحقاقات المقبلة. كما تجاوز المشروع تعدد المهام حيث اصبحت تتنافى مهام رئيس مجلس الجهة او نائب رئيس الجهة مع مهام رئيس او نائب رئيس مجلس جماعة ترابية اخرى او مهام رئيس او نائب رئيس غرفة مهنية ،وفي حالة الجمع بين هذه المهام ، يعتبر المعني بالامر مقالا بحكم القانون من اول رئاسة او انابة انتخب لها . ولا يجوز الجمع بين رئاسة مجلس الجهة وصفة عضو في الحكومة او في مجلس النواب او مجلس المستشارين او المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي .
كما يتعين العمل على ان تتضمن لائحة ترشيحات نواب الرئيس عددا من المترشحات لايقل عن ثلث نواب الرئيس مع عدم الاشارة الى عملية التراتبية لهؤلاء المترشحات الذي قد يطيح ببعضهن اذا صنفن في اخر اللائحة .
واذا انقطع الرئيس بدون مبرر عن مزاولة مهامه، قام والي الجهة باعذاره لاستئناف مهامه داخل اجل سبعة ايام بواسطة كتاب مع اشعار بالتسلم ، اذا تخلف الرئيس او رفض ذلك بعد انقضاء هذا الاجل ،احالت السلطة الحكومية المكلفة بالداخلية الامر الى قاضي المستعجلات بالمحكمة الادارية ، ليعاين داخل اجل 48 ساعة من احالة القضية اليه حالة الانقطاع ،واذا اقرها يحل المكتب لاجراء المسطرة من جديد لانتخاب الرئيس واعضاء المكتب . بالنسبة لتكوين اللجان ،فقد اشارت المادة 29 من هذا المشروع في فقرتها الثالثة ،انه يجب مراعاة في عملية الترشيح لرئاسة لجنة من بين اللجان الدائمة السعي الى تحقيق مبدا المناصفة بين الرجال والنساء المنصوص عليه في الفصل 19 من الدستور،لكن المشكل المطروح هو كيف تحقيق ذلك؟ وهل هناك ارادة للمجلس في تحقيق هذه المناصفة . كما ان تخصيص رئاسة احدى اللجن الدائمة للمعارضة ، لم يتم تحديد هذه اللجنة وترك المجال للقانون التنظيمي كيفيات ممارسة هذا الحق ، فما المقصود هنا ؟ اللجان المحددة في هذا المشروع، وهذا يجانب الصواب لاهميتها ، واذا تمت اضافة عدة لجن ،هل الاغلبية في المجلس ترضي الاقلية اي المعارضة؟ او تتقبل رئاسة اللجنة التي ارتضتها الاغلبية .وهذا ما يزيد من اضعاف دور المعارضة في المجلس ويخل بالمبدا المؤسس للمشاركة.
كما يحق للرئيس من اجل الحفاظ على النظام العام للجلسات ان يطرد من بين الحضور كل شخص يخل بالنظام ، ويمكنه ان يطلب من الوالي التدخل اذا تعذر عليه ضمان احترام النظام .ولا يجوز للرئيس طرد اي عضو من اعضاء مجلس الجهة من الجلسة يخل بالنظام ويعرقل المداولات ، واعطى الصلاحية للمجلس للقيام بذلك، وهذا ما سيخلق ضجة بين مؤيد ومعارض ويعرقل مداولات المجلس . ويستحسن ان تبقى هذه الصلاحية للرئيس شريطة انذار العضو للحفاظ على النظام العام للجلسة واذا تعذر عليه ذلك استعان بالوالي لضمان احترام النظام .
واذا تخلى عضو في مجلس الجهة خلال مدة الانتذاب عن الانتماء الحزبي الذي ترشح به يجرد من صفة العضوية في المجلس بعد تقديم طلب التجريد لدى كتابة الضبط بالمحكمة الادارية من قبل الرئيس او احد اعضائه او الحزب السياسي الذي ترشح المعني بالامر باسمه لتبث فيه في اجل شهر. حتى نتفادى التلاعبات التي عرفتها المراحل السابقة من الانتخابات مع العمل على تخليق الحياة السياسية.
كما يجوز للسلطة الحكومية المكلفة بالداخلية عند اخلال المجلس بالقوانين الجاري بها العمل توقيفه لمدة ثلاثة اشهر بقرار معلل ينشر في الجريدة الرسمية .كما يجوز للمحكمة حل المجلس اذا كانت مصالح الجهة مهددة بعد احالة الامر اليها .
وقد اخرج المشروع المجالس الجهوية من علاقات التنافس السلبي والتنازع والتداخل نظرا لتشابك وتداخل الاختصاصات والاضراربالتنمية ،ومن صعوبة ممارسة الوصاية على الجماعات بما فيها الجهة والتاكيد على علاقات التشاور والتعاون مع الجميع ، وذلك بحكم وضع اي سياسة لاي جماعة ليس حكرا عليها وهذا يعني كذلك الجماعات الاخرى، وهذا ما اشار اليه ادوارد بلادور في تصريح السياسة العامة للحكومة الفرنسية بتاريخ 8 ابريل 1993 بان سياسة المدينة لا تعود الى الدولة وحدها ولا الى الجماعات وحدها بل هو عمل تشاركي وتشاوري بين الجهات والجماعات المحلية الاخرى وهيئاتها يرتكزعلى تطبيق استراتيجية للشراكة سواء فيما بينها او مع مصالح الدولة والمؤسسات العمومية المختلفة والفاعلين الاقتصاديين والمؤسسات البنكية مع احترام الاختصاصات .
وفي هذا الاطار يمكن اعتماد الاسلوب الانجليزي الذي يقضي بتحديد لا ئحة الاختصاصات المسندة لكل وحدة بشكل مفصل وحسب الميادين المختلفة التي يمكن ان تتدخل فيها الهيئة المعنية بوضوح اوالتعاون بشانها في حدود الوسائل المتاحة لها على اساس تطوير دورها باضافة اختصاصات لها كلما نضجت واوضحت مقدرتها على النهوض بها ، مع الاخذ بعين الاعتبار الاتجاه الذي اخذه المشرع الفرنسي باصدار نصوص كثيرة كلما اقتضى الحال توضيح محتوى هذه الاختصاصات .
وعلى العموم ، فان هذا المشروع احاط بمجموعة من الجوانب التي فرضها واقع الممارسة ، ويمكن اعتبار هذه المرحلة بالجد متقدمة في تركبتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية والادارية ،لكن الامل يبقى معقودا على النخب المرتقبة القادرة على التسيير وتحمل المسؤولية والتي ستفرزها الارادة الشعبية بكل نزاهة وشفافية مواكبة لهذا الاختيار الوطني المبني على الجدية والروح الوطنية .