ميزانية فاس تسقط… والعمدة يُورّط المدينة بالكامل تُقاد بالارتجال والعناد

حرية بريس

مرة أخرى، تؤكد الوقائع أن عمدة فاس لا يمتلك مفاتيح القيادة ولا روح التوافق التي تحتاجها مدينة بهذا الحجم والتاريخ. فالعناد السياسي، والتمسك بقرار الانفراد بالتدبير، قادا المجلس الجماعي إلى الهاوية السياسية، بعدما سقط مشروع ميزانية 2026 في اختبارٍ كان يمكن تجاوزه ببساطة لو تحققت أدنى شروط الحوار والثقة.

فالأغلبية المسيرة، التي جمعت في لحظةٍ انتخابية أحزابًا من مشارب مختلفة — الأحرار، الاستقلال، الأصالة والمعاصرة، والاتحاد الاشتراكي تحولت اليوم إلى جزرٍ متباعدة، يجمعها فقط عنوان واحد: خيبة الأمل في قيادة العمدة.

لقد فقد الرجل البوصلة السياسية تمامًا، وبات خارج التغطية. فلا حوار، ولا تواصل، ولا حتى رؤية واضحة لتدبير ملفات المدينة المتشابكة. اختار سياسة “الأذن الصماء” بدل الإنصات، ورفع شعار “كم من أمور قضيناها بتركها”، وكأن فاس تدار بالمزاج لا بالبرامج.

نتيجة ذلك أن الأغلبية المرهقة من الفوضى التنظيمية رفعت الراية البيضاء، وتركته يواجه المعارضة وحيدًا، معزولًا في قاعة الاجتماعات، تحاصره الأصوات الغاضبة والأسئلة المعلقة.

سقوط الميزانية لم يكن حدثًا تقنيًا، بل صفعة سياسية مدوية لعمدة لم يُحسن قراءة توازنات المشهد. فميزانية جماعة فاس، التي يفترض أن تكون خريطة طريقٍ للتنمية، تحولت إلى مرآة تعكس حجم الفشل والانقسام.

الآن، تقف المدينة على حافة الشلل: لا مشاريع، لا استثمارات، ولا قرارات مالية يمكن تنفيذها في غياب ميزانية مصادق عليها. والأسوأ أن فاس تستعد بعد أسابيع لاحتضان كأس إفريقيا للأمم، بينما عاصمتها العلمية تعيش على وقع انقسام سياسي غير مسبوق.

قد يحاول العمدة لاحقًا إعادة عرض الميزانية، لكن قبل ذلك عليه أن يعترف بالواقع:

أن القيادة ليست موقعًا بروتوكوليًا، بل فنّ في إدارة الاختلاف. وأن المدينة لا تُقاد بالهروب إلى الأمام، بل بالحوار والقدرة على جمع الفرقاء حول المصلحة العامة.

فاس اليوم لا تحتاج إلى شعارات ولا إلى تبريرات، بل إلى رجل يعرف أن الكرسي ليس غاية، وأن الكبرياء السياسي لا يبني مدينة بل يهدمها حجرا حجرا .

ففي زمنٍ تعيش فيه المدن سباقًا نحو التطوير والنجاعة، اختارت فاس أن تتعثر تحت عبء سوء التقدير وغياب القيادة . العمدة الذي وعد بالتغيير، وجد نفسه غارقًا في عزلة صنعها بيده، بعدما استبدل لغة الحوار بلغة الأوامر، ففقد الثقة والصف.

إن فاس، بتاريخها ومكانتها، أكبر من أن تكون رهينة تجارب فاشلة أو حسابات شخصية ضيقة.

وإذا لم يُدرك العمدة أن السياسة فن الإصغاء قبل أن تكون سلطة القرار، فستواصل المدينة نزيفها الإداري والسياسي إلى أن يأتي من يعيد التوازن والهيبة إلى مؤسسة العمدة، ويعيد لفاس مكانتها التي تستحقها: مدينة تُدار بالحكمة… لا بالمكابرة.


شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...