أزمة النقل الحضري بفاس تتجدد: رحيل الشركة القديمة لم يُنهِ المعاناة..اختبار حقيقي لقدرة الجماعة على فرض الحكامة

حرية بريس

مازال ملف النقل الحضري بمدينة فاس يراوح مكانه، رغم رحيل الشركة السابقة التي كانت مكلفة بتدبير القطاع، في وقت كان فيه عدد من المواطنين يعتقدون أن مغادرتها ستفتح صفحة جديدة وتنهي سنوات من الارتباك وسوء الخدمات.

غير أن الواقع، كما يبدو اليوم، كشف عن استمرار نفس الإشكالات، بل وتفاقم بعضها مع دخول الشركة الجديدة المفوض إليها التسيير.

عرفت المدينة، صباح اليوم، اضطرابًا كبيرًا في حركة الحافلات، حيث تأخر التحاق عدد منها بخطوط السير لأزيد من نصف ساعة، ما اعتبره البعض “إنذارًا بدون سابق إعلان”، خاصة في ظل تزايد احتجاجات العمال المطالبين بصرف أجورهم وتعويضاتهم العائلية واستفادتهم من التغطية الصحية.

وأمام مرآب الشركة، تجمع أكثر من 90 عاملًا في وقفة احتجاجية، قبل أن تتدخل عناصر من النقابة التابعة للاتحاد العام للشغالين بالمغرب بشكل مسؤول وسلس، وتمكّن من تهدئة الأوضاع مؤقتًا، حفاظًا على استمرارية خدمة النقل التي يعتمد عليها سكان فاس بشكل يومي.

مصادر أكدت أن اجتماعًا طارئًا عُقد صباح اليوم بمقر ولاية جهة فاس مكناس، حضره الكاتب العام للولاية وممثلون عن الشركة الجديدة، بهدف تدارس الوضع ومحاولة إيجاد حلول استعجالية تستجيب لمطالب العمال وتضمن استمرار الخدمة العمومية الحيوية.

ورغم النقاش، تبقى انتظارات الشغيلة قائمة، خاصة أن دخول الشركة الجديدة كان مقرونًا بآمال كبيرة لاسترجاع الثقة وضمان حقوق العاملين.

تُعد فاس من أكبر المدن المغربية من حيث الكثافة السكانية، إذ يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة، إضافة إلى وجود عدد كبير من المؤسسات الجامعية والمناطق الصناعية، ما يجعل الطلب على النقل العمومي مرتفعًا للغاية.

ورغم ذلك، لا تزال الأسطول المتوفر من الحافلات محدودًا، مما يفرض ضغطًا كبيرًا على العمال والمستخدمين الذين يبذلون جهودًا مضاعفة لتأمين رحلات المواطنين في ظروف صعبة .

من بين القضايا التي فجرت غضب العمال، صيغة العقود الجديدة المكتوبة باللغة الفرنسية، حيث يرفض عدد منهم التوقيع عليها بحجة أن الدستور المغربي ينص على أن اللغة العربية هي لغة التواصل الرسمي والمراسلات الإدارية.

كما يطالبون بضرورة تمكينهم من نسخة رسمية من العقد، ضمانًا لحقوقهم القانونية، معتبرين أن جماعة فاس تتحمل المسؤولية الأولى بصفتها الجهة المفوضة والموقعة على العقد مع الشركة الجديدة.

في خضم هذه التجاذبات، برز الدور الفاعل لنقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، التي عملت على تهدئة الأجواء وتغليب منطق الحوار على التصعيد، في محاولة لحماية مصالح العمال وضمان استمرارية الخدمة.

وتسعى النقابة إلى فتح حوار مباشر بين الشركة والممثلين النقابيين لوضع تصور مشترك يُرضي الطرفين، ويعيد للنقل الحضري بفاس توازنه المفقود.

تؤكد هذه الأزمة أن تغيير الشركة المفوضة لا يعني بالضرورة تغيير واقع القطاع، ما لم يصاحبه التزام صارم بمقتضيات دفاتر التحملات، وضمان احترام كرامة وحقوق العمال الذين يشكلون العمود الفقري للخدمة.

كما أن جماعة فاس مطالبة اليوم بلعب دورها كاملاً في المراقبة والتأطير، لضمان أن لا يتحول التعاقد الجديد إلى تكرار للأخطاء السابقة، خصوصًا وأن النقل الحضري يُعد مرآة حقيقية لمدى نجاعة الحكامة المحلية وجودة الخدمات العمومية.


شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...