دور المجتمع المدني في تأطير الشباب: مقاربة سيكولوجية وسوسيولوجية
دور المجتمع المدني في تأطير الشباب: مقاربة سيكولوجية وسوسيولوجية
حرية بريس غزلان
بقلم: يوسف باجا – أخصائي نفسي ومعالج نفسي إكلينيكي
الملخص:
يهدف هذا المقال إلى تحليل الدور الذي يضطلع به المجتمع المدني في تأطير الشباب من منظور علم النفس التربوي والاجتماعي، مع التركيز على أهمية وجود الأخصائيين النفسيين داخل الجمعيات لضمان فعالية التأطير. يُظهر التحليل أن المجتمع المدني ليس مجرد فضاء للتطوع، بل هو إطار تربوي ونفسي واجتماعي يساهم في بناء شخصية شابة متوازنة وفاعلة في المجتمع.
1. مقدمة
يشكل الشباب عنصرًا محوريًا في أي مشروع مجتمعي تنموي. غير أن تحديات العصر الحديث، مثل العزلة الاجتماعية، فقدان الهوية، والضغوط النفسية، تجعل من الضروري وجود أطر تأطيرية فعالة. في هذا السياق، يبرز المجتمع المدني كفضاء يمكن من خلاله تنمية مهارات الشباب، تعزيز الثقة بالنفس، وغرس القيم الاجتماعية، بما يكمل دور الأسرة والمدرسة.
2. البعد السيكولوجي للتأطير الجمعوي
وفق علم النفس التربوي والاجتماعي، يحتاج الشباب إلى بيئة تعزز النمو النفسي والاجتماعي، وتتيح لهم الفرصة لتطوير مهارات التواصل، حل المشكلات، وتحمل المسؤولية. يساهم الانخراط في الجمعيات في:
تعزيز الثقة بالنفس والانتماء.
اكتساب المهارات الاجتماعية والانفعالية.
الوقاية من الانعزال، الإحباط، والانحراف السلوكي.
كما يُسهم العمل الجمعوي في إشباع حاجات الفرد النفسية الأساسية، مثل الحاجة للتقدير وتحقيق الذات، وفقًا لنظرية ماسلو، ويمنح الشباب شعورًا بالجدوى والفاعلية الاجتماعية.
3. البعد السوسيولوجي
من منظور علم الاجتماع، تشكل الجمعيات وسيلة للاندماج الاجتماعي والضبط المجتمعي، إذ تربط الفرد بالمجتمع وتغرس قيم التعاون والتضامن.
وفق إميل دوركايم، تساهم الجمعيات في تعزيز الانتماء ومنع الاغتراب.
بحسب بيير بورديو، تمنح العمل الجمعوي الشباب رأسمالًا اجتماعيًا ورمزيًا يعزز مكانتهم في المجتمع ويقوي شعورهم بالجدوى.
كما تُمثل الجمعيات بيئة لتعلم قيم المواطنة الفاعلة، وتحفيز الشباب على المشاركة في التنمية الاجتماعية، بما يقلل من احتمالات الانخراط في سلوكيات منحرفة أو سلبية.
4. دور الأخصائي النفسي داخل الجمعيات
وجود الأخصائيين النفسيين داخل الجمعيات يمثل عنصرًا جوهريًا لنجاح التأطير، ويشمل دورهم:
تشخيص المشكلات النفسية والاجتماعية لدى الشباب.
تصميم برامج تربوية ونفسية وقائية وتنموية.
تدريب الأطر الجمعوية على مهارات التواصل وحل النزاعات.
خلق بيئة آمنة نفسيًا تتيح للشباب التعبير عن أنفسهم دون خوف أو حرج.
يسهم حضور الأخصائي النفسي في تعزيز التوازن بين الأهداف الاجتماعية والاحتياجات النفسية، مما يجعل العمل الجمعوي أكثر فاعلية واستدامة.
5. الخاتمة
يتضح أن المجتمع المدني لا يقتصر دوره على العمل التطوعي، بل يشكل فضاءً تربويًا، نفسيًا، واجتماعيًا متكاملًا لتأطير الشباب. من خلال تعزيز الثقة بالنفس، غرس القيم الاجتماعية، وتوفير التوجيه النفسي المتخصص، يساهم المجتمع المدني في بناء شباب واثق، متوازن، وملتزم تجاه ذاته ومجتمعه.
إن الاستثمار في الأخصائيين النفسيين داخل الجمعيات ليس رفاهية، بل ضرورة استراتيجية لضمان تطوير قدرات الشباب وتحقيق اندماجهم الإيجابي في المجتمع.