دائرة الغضب تزيد تساعا في صفوف الصيادلة لماذا نحن غاضبون…؟
بقلم/ الدكتور حسن عاطش
رئيس الغرفة النقابية لصيادلة فاس
حرية بريس
غاضبون على واقع قطاع، بات واضحا من خلال الانتقادات والتظلمات التي تنشر تفاصيلها يوميا على صفحات الجرائد بمآسيها المتعددة، منذرون بأنه لا سياسة صحية ناجحة بدون سياسة دوائية حكيمة، والتي لن تستقيم بدون مؤسسات قوية حرة في اختياراتها قادرة على مواجهة التحديات.
غاضبون على مصير قطاع الصيدلة يعاني الأمرين جراء القرارات الانفرادية دون موجب حق سواء الصادرة على مستوى وزارة الصحة أو غيرها من المؤسسات التي تهتم بميدان الدواء والصحة، التي ألقت بظلالها على رقم معاملات القطاع وخلفت استياء عارما في صفوف الصيادلة، ولعل تلك التجاوزات التي تم تعتمدها، تارة تحت دريعة حالة الطوارئ التي عرفتها وتعرفها المملكة، حيث نقف عند رسالة وزير الصحة عدد 00/82، وهي تحث الشركات ومختبرات الادوية بتزويد بعض الجمعيات ذات المنفعة العامة والجماعات الترابية بالأدوية ولو بشكل مؤقت، ضاربة عرض الحائط قانون مسلك الدواء دون العودة إلى رأي الهيأة الوطنية لصيادلة المغرب.
غاضبون من “لخبطة” يقابلها إهمال في سير العادي للقطاع وعدم استجابة لانتظارات وهموم المهنيين، بحيث وعلى امتداد أكثر من 48 شهر لم تكلف الوزارة نفسها عناء فتح ملف من ملفات مطالب الصيادلة والنظر في توصيات اللجن المشتركة.
غاضبون من “لخبطة” قرارات الحكومات السابقة في تدبير شؤون مهنة الصيدلة، فكلنا نستحضر الكيفية التي تعاملت بها وزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجية الرقمية في موضوع الكمامات تماشيا مع الشروط الاحترازية للحد من انتشار الوباء، حيث سقطت في المتناقضات ورخصت للباعة المتجولين والمحلات البقالة، دون وعي بخطورة الفعل، الذي يترتب عليه تفاقم الأوضاع وارتفاع الإصابات بفيروس كوفيد 19، نظرا لطبيعة هذا المستلزم الطبي، الذي في الأصل يخضع صرفه لضوابط دقيقة من حيث الشكل والمضمون، تفاديا لانتشار الوباء.
غاضبون من الحصار الجبري الذي يهدد استقرار المهنة، وجعل الأزمة تنعكس ليس فقط على القطاع، بل أيضا على صحة المواطنين، وذلك عن طريق الممارسة غير القانونية للمهنة، فالدواء يروج عبر مسالك غير مشروعة أحيانا، وخارج الإطار القانوني والمتمثل في الصيدلية، «إذ يباع في الأسواق والدكاكين، وداخل عدد من الجمعيات، التي تتستر وراء العمل الاجتماعي، وتتاجر في الأدوية، كما يتم بيعه أيضا أمام المستشفيات وفي السوق السوداء» ربما هذا ما يشكل في حد ذاته خطرا على صحة المواطنين، فضلا عن أنه يجعل مهنة الصيدلة في مواجهة المنافسة غير الشريفة.
غاضبون على صمت الإدارة وتجاهل مطالب الصيادلة، وتخلفها عن الوفاء بتعهداتها التي رددها في مختلف المحافل والمؤتمرات وخلال أجوبته على أسئلة السادة النواب البرلمانيين، وترك قطاع الصيدلة يعيش أزمة حقيقية وهو مهدد بالزوال، على اعتبار أن أكثر من ثلاثة آلاف (3000) صيدلانية وصيدلانيا هم في وضعية إفلاس، وحوالي خمسة آلاف (5000) يتدبرون أمور العيش بصعوبة بدعم من شركات التوزيع.
غاضبون على عدم وتنصل الوزارة من مسؤوليتها وعدم التزامها بتنزيل خلاصات أشغال اللجان الموضوعاتية، وذلك من خلال عدم نشر لائحة الأدوية الخاصة بالمصحات بعد حصرها مع ممثلي مديرية الأدوية والصيدلة، والحد من فوضى العينات المجانية، التي حصرت عددها مضامين مدونة الدواء والصيدلة 04 -17 في علبتين لكل طبيب.
غاضبون على عدم تفعيل مقتضيات الحوار مع المهنيين وتشكيل لجنة موسع تضم الوزارة الوصية والهيئة الوطنية لصيادلة المغرب وهيئة البياطرة بالمغرب والمكتب الوطني للسلامة الصحية والأمانة العامة للحكومة للنظر في موضوع الأدوية البيطرية انسجاما مع مدونة الدواء والصيدلة وتوصيات المنظمة العالمية للصحة.
غاضبون ضد الإصرار على إصدار قرارات كارثية، مجانبة لمقتضيات مدونة الدواء والصيدلة، ولكل قواعد المنافسة الشريفة تنم على مخطط بئيس يهدف الإجهاز على المكتسبات والحقوق، ويرمي بقطاع نحو المجهول، من خلال تميكن المستشفيات الجامعية دون غيرها صرف بعض الأدوية من اختصاصيات الصيادلة ذات أهمية وضرورة بالنسبة للمريض الذي يكون بغيابها مخيرا بين الحياة والموت، في الوقت الذي يسعى فيه المغرب إلى فتح المجال للراغبين في مزاولة المهنة بالقطاع الخاص، بحيث ومن خلال هذه الخطوة غير المبررة نحكم على إعدام قطاع بأكمله ونرفع من وثيرة بالبطالة في صفوف خريجي الصيدلة..
غاضبون على استحالة التحليق بالقطاع بعيدا في ظل معوقات قانونية وانعدام المحفزات ووضعية اقتصادية ومالية متأزمة، حيث أن أكثر من 30 في المائة من الأدوية يبقى خارج المسالك القانونية والشرعية المتمثلة في الصيدليات، وإضافة إلى مشكل التهريب الذي أصبح ظاهرة عالمية تزداد حدتها في القارة الإفريقية مما ينعكس سلبا على المهنيين وخزينة الدولة والإضرار بالصحة العامة وصحة المواطن.
غاضبون على تصاعد وتيرة اختلال التوازن الاقتصادي والمالي للصيدلية، إذ يعلق أن النظام الجبائي المطبق على نشاط الصيدلي هو نفسه المطبق على باقي الأنشطة التجارية الأخرى، وهو ما يؤثر سلبا على تعاطي الصيدلي مع قانون الصحة وأخلاقيات المهنة وفي الوقت نفسه يخضع لقانون التجارة في ثنائية معقدة، على الرغم بأن الصيدلة ليست نشاطا تجاريا محضا، بل هي ممارسة لمهنة طبية، ما يجعلها من المهن الأكثر تأطيرا بالقوانين والأكثر شفافية تجاريا فالأسعار غير حرة ومحددة الهامش بقانون.
غاضبون على عدم الاستجابة لنداء الصيادلة واعتماد الوصفة الطبية المؤمنة كحل للمشاكل التي تطرحها الأدوية المخدرة وأدوية الإمراض النفسية على الصعيد القانوني وانعكاساتها على الشباب المغربي.
غاضبون ومتألمون كلما استحضرنا كيف أن قطاع بني بمجهود كبير في بداية الستينات، يعيش الآن حالة حصار واحتضار، خلافا للمجهودات التي تبذل من طرف دول مجاورة للنهوض بقطاعها الصيدلاني، فلا يعقل في الوقت الذي توصي به منظمة الصحة العالمية اعتماد صيدلية لكل 5 آلاف مواطن، المغرب يستمر في سياسة الأذن الصماء ويكتفي بصيدلية لكل 2750 مواطنا، وهو رقم مفتوح على العديد من القراءات أمام نسبة استهلاك الأدوية للفرد لا تتجاوز 400 درهم سنويا عكس دولة تونس التي لا يتجاوز عدد سكانها ثلث سكان المغرب والتي تفوق نسبة استهلاك الأدوية للفرد 1200 درهم مغربي سنويا، بينما يصل ذلك في دول أخرى إلى عشرات الأضعاف، بحيث ينفق المغاربة 4,5 مليار درهم (نحو 583303 دولار) سنويا على الأدوية وهو ما ينفق سنويا لشراء الدواء في الأردن الذي لا يزيد عدد سكانه على خمس سكان المغرب، حسب دراسة أنجزت في الموضوع، مما استوجب معه تفعيل الرقم القافل المعتمد دوليا.
غاضبون على استمرار المصحات ببيع الأدوية دون موجب حق، ورافضون أن يكون الصيدلي الحلقة الضعيفة في مسلسل السياسة الدوائية بالمغرب، وعن تطبيق سياسة دوائية مملاة من الفوق، وأن يتحمل لوحده مرارات الواقع الميؤوس منه، الذي يزداد تعقيدا وعواصة يوما بعد يوم..
غاضبون على هشاشة الترسانة القانونية التي تنظم القطاع وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين وضعف الولوج للعلاج، رغم أن ظهير 1960، جرى تحيينه، وصدر بصيغة مدونة الدواء والصيدلة، لكن هذه المدونة ظلت غير قابلة للتفعيل في ظل عدم إخراج نصوصها التطبيقية، تستجيب لانتظارات 12 ألف صيدلي الذين لازالوا ينتظرون إصدار قوانين تطبيقية لمدونة الأدوية والصيدلة 04-17 التي خرجت إلى حيز الوجود سنة 2006، مما يستوجب التدخل لأجل تنظيم أفضل للمهنة، صيانة لحقوق المواطنين الصحية وتفاديا للأزمات القانونية والاقتصادية التي يعانيها القطاع الذي يوفر أكثر من 40 ألف منصب شغل مباشر ومناصب عديدة غير مباشرة، إذ تعيش المهنة نوعا من الفراغ القانوني، لأنها لا تخضع اليوم إلى قانون مضبوط ومحدد، يستطيع بمقتضاه المهنيون حصر وتقنين الفعل الصيدلاني، ما يطرح عدة إشكاليات على مستوى ممارسة المهنة.
غاضبون على التشرذم والانقسام بالجسم الصيدلي، الذي يضعف معه صوت المؤسسات المهنية، حتى أصبح الكل ينصب نفسه مسؤولا على القطاع ويغرد على ليلاه، بحيث يصعب معها انتشال المهنة من واقعها المحرج ورفع الحصار المفروض عليها الذي زج بها في نفق مظلم…
أين أنتم يا معشر الصيادلة قيادة وقاعدة من هذا المشهد الدرامي ؟ ألم يحن بعد إعادة ترتيب البيت الصيدلاني بعدما تاه قطار الإصلاح عن سكته وجعل المهنة سجينة الصراعات المجانية، التي ساهمت بحظ وافر في تردي وضعية القطاع، وجعلت حقوقه وممتلكاته ومكتسباته تباع في المزاد العلني..
استسمح على الإطالة، لكن للضرورة أحكام
يتبع…..